اسم الکتاب : تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل المؤلف : البيضاوي، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 116
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ كأحبار اليهود. مَآ أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ كالآيات الشاهدة على أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم.
وَالْهُدى وما يهدي إلى وجوب اتباعه والإِيمان به. مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ لخصناه. فِي الْكِتابِ في التوراة. أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ أي الذين يتأتى منهم اللعن عليهم من الملائكة والثقلين.
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا عن الكتمان وسائر ما يجب أن يتاب عنه وَأَصْلَحُوا ما أفسدوا بالتدارك. وَبَيَّنُوا ما بينه الله في كتابهم لتتم توبتهم. وقيل ما أحدثوه من التوبة ليمحوا به سمة الكفر عن أنفسهم ويقتدي بهم أضرابهم فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ بالقبول والمغفرة. وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ المبالغ في قبول التوبة وإفاضة الرحمة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 161 الى 162]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خالِدِينَ فِيها لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أي ومن لم يتب من الكاتمين حتى مات أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ استقر عليهم اللعن من الله، ومن يعتد بلعنه من خلقه. وقيل الأول لعنهم أحياء، وهذا لعنهم أمواتا. وقرئ و «الملائكةُ والناسُ أجمعون» عطفاً على محل اسم الله لأنه فاعل في المعنى، كقولك أعجبني ضرب زيدٍ وعمرو، أو فاعلاً لفعل مقدر نحو وتلعنهم الملائكة.
خالِدِينَ فِيها أي في اللعنة، أو النار. وإضمارها قبل الذكر تفخيماً لشأنها وتهويلاً، أو اكتفاء بدلالة اللعن عليه. لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ أي لا يمهلون، أو لا ينتظرون ليعتذروا، أو لا ينظر إليهم نظر رحمة.
[سورة البقرة (2) : آية 163]
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163)
وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ خطاب عام، أي المستحق منكم العبادة واحد لا شريك له يصح أن يعبد أو يسمى إلهاً. لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ تقرير للوحدانية، وإزاحة لأن يتوهم أن في الوجود إلهاً ولكن لا يستحق منهم العبادة.
الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ كالحجة عليها، فإنه لما كان مولى النعم كلها أصولها وفروعها وما سواه إما نعمة أو منعم عليه لم يستحق العبادة أحد غيره، وهما خبران آخران لقوله إلهكم، أو لمبتدأ محذوف. قيل لما سمعه المشركون تعجبوا وقالوا: إن كنت صادقاً فائت بآية نعرف بها صدقكك فنزلت.
[سورة البقرة (2) : آية 164]
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إنما جمع السموات وأفرد الأرض، لأنها طبقات متفاصلة بالذات مختلفة بالحقيقة بخلاف الأرضين. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ تعاقبهما كقوله تعالى: جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً. وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ أي بنفعهم، أو بالذي ينفعهم، والقصد به إلى الاستدلال بالبحر وأحواله، وتخصيص الْفُلْكِ بالذكر لأنه سبب الخوض فيه والاطلاع على عجائبه، ولذلك قدمه على ذكر المطر والسحاب، لأن منشأهما البحر في غالب الأمر، وتأنيث الْفُلْكِ لأنه بمعنى السفينة.
وقرئ بضمتين على الأصل، أو الجمع وضمة الجمع غير ضمة الواحد عند المحققين. وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ مِنْ الأولى للإِبتداء، والثانية للبيان. والسماء يحتمل الفلك والسحاب وجهة العلو. فَأَحْيا بِهِ
اسم الکتاب : تفسير البيضاوي = أنوار التنزيل وأسرار التأويل المؤلف : البيضاوي، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 116